هل يجوز إرجاع الزوجة بعد الطلقة الأولى بدون شهود

هل يجوز إرجاع الزوجة بعد الطلقة الأولى بدون شهود؟ وما هي شروط الرجعة في الإسلام؟ شرع الله عز وجل الرجعة كما أحل الطلاق.. تسيرًا على العباد وتخفيفًا على كل من يتسرع في اتخاذ القرارات، ذلك أن الله عز وجل لم يشرع أمرًا إلا لمصلحة يعلمها سبحانه وتعالى، وقد فصّل العلماء القول في أمر الرجعة، وعبر موقع صناع المال نوافيكم بالإجابة عن تلك التساؤلات.

هل يجوز إرجاع الزوجة بعد الطلقة الأولى بدون شهود؟

الرجعة من الأمور التي شرعها الإسلام بين الزوجين، وذلك إذا لم يكن الزوج قد طلق زوجته طلاقًا بائنًا، إذ إنها تظل زوجة له ما لم تنقض العدة، مما يعني أنه يجوز للزوج إرجاع زوجته إلى عصمته دون رضاها، وكذا يجوز للزوج إرجاع زوجته دون تجديد عقد النكاح.

بينما اختلف الفقهاء في حكم الإشهاد على الرجعة هل تجوز بدون إشهاد، أم لا بد منه حين الرجعة، فصدر عنهم قولين:

  • القول الأول: أنه لا يجور إرجاع الزوجة بعد الطلقة الأولى دون شهود، بل لا بد من الإشهاد.

فإذا أراد الزوج أن يراجع زوجته أحضر شهودًا على كونه قد راجعها.

استدلوا على ذلك: بقول الله عز وجل: ” فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِّنكُمْ وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ لِلَّهِ..” ( سورة الطلاق:2 )

ذلك أن الآية بها أمر صريح على ضرورة الإشهاد على الرجعة، علاوة على ذلك.. فإن ذلك يمكن الا يموت الزوج قبل إقراره بذلك، أو قبل أن تعلم الزوجة بالرجعة، فيمتنع التوارث بينهما بسبب ذلك.

  • القول الثاني: أن الإشهاد على الرجعة غير واجب، إنما مستحب للزوج ذلك، وهو قول الجمهور من المالكية، والحنفية، والشافعية، وإحدى روايتين للحنابلة.

استدلوا على قولهم: بقول الله تعالى: ” فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِّنكُمْ وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ لِلَّهِ..” ( سورة الطلاق:2 )

فقالوا إن الله عز وجل جمع في تلك الآية بين الرجعة والفرقة، وأمر فيهما بالإشهاد، إلا أن الإشهاد على الفرقة غير واجب، وإنما هو مستحب، فلزم أن يكون الإشهاد على الرجعة نفس الحكم.

كذلك قوله تعالى: ” الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ ۖ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ…” ( سورة البقرة: 229 )

كما قال تعالى: “ وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَٰلِكَ إِنْ أَرَادُوا إِصْلَاحًا…” ( البقرة:  228)

ففي كافة تلك الآيات لم يذكر الله عز وجل الإشهاد، فوجب جواز الرجة دون إشهاد بدلالة الآيات.

علاوة على ذلك.. فإن الرجعة من الأمور التي لا تفتقر إلى الرضا والقبول من المرأة، فكذا لم تفتقر إلى الإشهاد كغيرها من حقوق الزوج.

كما استدلوا بما روى عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: عن ابنِ عمرَ أنَّهُ طلَّقَ امرأتَهُ وهيَ حائضٌ فسأل عمرُ النبيَّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ فقال: مُرْهُ فليُراجعها ثم ليُطلِّقها طاهرًا أو حاملًا.”

الراوي: سالم بن عبد الله بن عمر | المحدث: أحمد شاكر | المصدر: تخريج المسند لشاكر | الصفحة أو الرقم: 7/14 | خلاصة حكم المحدث: إسناده صحيح.

فالنبي صلى الله عليه وسلم لم يأمر ابن عمر بالإشهاد، فكان ذلك دليلًا على كونه غير واجبًا في الرجعة.

بناءً على ذلك.. فإن الراجح هو القول الثاني القائل باستحباب الإشهاد على الرجعة دون وجوبها، بالتالي فإنه يجوز إرجاع الزوجة بعد الطلقة الأولى بدون شهود.

اقرأ أيضًا: رقم شيخ مفتي في امور الطلاق

كيفية حصول الرجعة

الرجعة إنما تحصل بواحد من أمرين: إما بالقول، أو بالفعل.

أولًا: حصول الرجعة بالقول

هذا القول قد قسمه الفقهاء وأهل العلم إلى قسمين:

  • القول الصريح: هو أن يقول الرجل لامرأته ” راجعتك” أو ارتجعتك، أنا أرجعك في عصمتي، ونحوها من ألفاظ صريحة لا تحتمل سوى الرجعة، لذا فإنها لا تحتاج إلى نية.
  • الكناية: وذلك بأن يعبر الرجل عن الرجعة بإحدى الألفاظ اليت تحتمل الرجعة وتحتمل غيرها، لذا فإنها تحتاج إلى نية تبينها، من ذلك أن يقول الرجل لامرأته: أنتِ عندي كما أنتِ.، ذلك أنها تحتمل كما كنت زوجة، أو كما كنت مكروهة عندي.

ثانيًا: كيفية الرجعة بالأفعال

اختلف الفقهاء فيما بينهم حول الفعل الذي تحصل به الرجعة، وصدرت عنهم عدة أقوال في هذا الأمر، نبينها استكمالًا للإجابة عن تساؤل هل يجوز إرجاع الزوجة بعد الطلقة الأولى بدون شهود، وهي:

  • أن الرجعة تحصل بالجماع ومقدماته، مثل اللمس والتقبيل ونحوها من أمور، وهو قول الحنفية.
  • أن الرجعة تصح بالوطء ومقدماته من تقبيل بشهوة ونحوها، شريطة أن ينوي الزوج الرجعة، وهو قول المالكية.
  • عدم جواز الرجعة بالفعل مطلقًا، سواء كان بالوطء أو الجماع أو إحدى مقدماتهما، وهذا ما ذهب إليه الشافعية.
  • هناك فرق بين الوطء ومقدماته، فرأوا أن الرجعة تحصل بالفعل مثل الوطء حتى لو لم ينو الرجعة، أما مقدمات الوطء فالراجع عندهم أنها لا تحصل بها الرجعة، وهذا ما ذهب إليه الحنابلة.

اقرأ أيضًا: طريقة فسخ عقد الزواج الإلكتروني

شروط الرجعة في الإسلام

لأجل أن تصح الرجعة من الرجل، لا بد من توافر العديد من الأمور، بعضها في الزوج المرتجع، وبعضها في الزوجة، نبينها استكمالًا للإجابة عن تساؤل هل يجوز إرجاع الزوجة بعد الطلقة الأولى بدون شهود.

أولًا: شروط الزوج المُرتجِع

اشترط الإسلام في هذا الزوج الذي أراد مراجعة زوجته بعد طلاقها طالقًا غير بائنًا، أمورًا، هي:

  • الإسلام: فإذا ارتد الزوج عن الإسلام، لا تصح الرجعة حال ردته، وهذا ما ذهب إليه جمهور الفقهاء.
  • البلوغ: وهذا الشرط قال به بعض العلماء، فلا يمكن لصبي أن يراجع، واستدلوا على ذلك بقول النبي صلى الله عليه وسلم: رُفِع القلمُ عنْ ثلاثةٍ عنِ الصغيرِ حتى يبلُغَ وعَنِ النائمِ حتى يستيقظَ وعنِ المصابِ حتى يُكشفَ عنهُ.”
  • العقل: من ثم لا يمكن للمجنون أن يراجع زوجته، وهذا ما قال به جمهور الفقهاء، لحديث رفع القلم عن ثلاث.
  • الاختيار: فإذا راجع الزوج زوجته مكرهًا، لا يصح منه الرجعة، إذا لا بد أ يكون الزوج مختارًا حال مراجعته لزوجته، وبه قال الشافعية، وابن حزم.

ثانيًا: شروط الزوجة المُرتجَعة

  • أن تكون طلقت بعد الدخول بها، فإذا كان الطلاق قبل الدخول بها فلا رجعة لها، ذلك أن الرجعة تكون حال العدة، والمطلقة قبل الدخول، لا عدة لها.

ذلك لقول الله عز وجل: “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِن قَبْلِ أَن تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا ۖ فَمَتِّعُوهُنَّ وَسَرِّحُوهُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا” الأحزاب: 49)

علاوة على تلك الشروط، فلا بد من كون الطلاق غير مقابلًا لعوض، وأن تحدث الرجعة في الطلقة الأولى والثانية، مع كون صيغة الرجعة مباشرة، أما تعليق الرجعة على شرط غير جائزة.

حكم الرجعة في الطلاق البائن

في ضوء بيان الإجابة عن سؤال هل يجوز إرجاع الزوجة بعد الطلقة الأولى بدون شهود، نبين الحكم في غير الطلقة الأولى والثانية.

فإذا طلّق الزوج زوجته ثلاثُا، أو كان طلاقًا مكملًا للثلاث، فهو طلاقًا بائنًا، من ثم لا يجوز الرجعة فيه، بل لا بد من عقد ومهر جديدين، حتى يرجع الزوج لزوجته مرة أخرى.

ذلك أن الأصل في الطلاق كونه رجعيًا، إلا أنه قد يخرج عن هذا الأصل إذا وقع الطلاق قبل الدخول، أو كان على مال، أو حدث من القا      ضي.

يستدل على ذلك بما ورد في الموسوعة الكويتية: فإذا طلق الزوج زوجته رجعيا، حل له العود إليها في العدة بالرجعة، دون عقد جديد. فإذا مضت العدة، عاد إليها بعقد جديد فقط.”

كذلك: “ فإذا طلق زوجته طلقة بائنة واحدة أو اثنتين، جاز له العود إليها في العدة وبعدها، ولكن ليس بالرجعة، وإنما بعقد جديد.”

اقرأ أيضًا: كيف اطلع صك الطلاق من ناجز

مشروعية الرجعة

فالأصل في الرجعة أنها مباحة بيد أنها تعتريها الأحكام التكليفية الخمسة، وقد شرع الله عز وجل الرجعة، وأباحها للأزواج صيانة لهم، ورحمة بهم، ذلك أنه قد يصدر الطلاق حال الغضب أو اندفاع وعدم تأنّ، من ثم يشعر الزوجين بالندم على تلك الفرقة.

بالتالي فإن الرجعة رحمة ونعمة من الله عز وجل، أنعم بها على الأزواج، وذلك إن تاقت نفس الرجل إلى زوجته، فلا يصل إليها إلا بالرجعة، وهذا ما يجب العلم به لبيان حكم إرجاع الزوجة بعد الطلقة الأولى بدون شهود.

لا خلاف بين الفقهاء على مشروعية الرجعة، وذلك لورد الأدلة الشرعية التي تدلل على مشروعيتها من القرآن الكريم، والسنة النبوية منها:

أولًا: الدليل على مشروعية الرجعة من الكتاب:

  • قول الله عز وجل: ” وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ ۚ وَلَا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا لِّتَعْتَدُوا…” (سورة البقرة: 231)
  • قول الله عز وجل: وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَٰلِكَ إِنْ أَرَادُوا إِصْلَاحًا…” (البقرة: 228 )

ثانيًا: مشروعية الرجعة من السنة:

ما ورد من أفعال النبي صلى الله عليه وسلم، وذلك في الحديث الذي رواه عبد الله بن عمر أنه قال: أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللَّهُ عليْهِ وسلَّم، كانَ طلَّقَ حفصَةَ، ثمَّ راجعَها.”

الراوي: عبد الله بن عمر | المحدث: الألباني | المصدر: صحيح النسائي

الصفحة أو الرقم: 3562 | خلاصة حكم المحدث: صحيح.

ما رواه عبد الله بن عمر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال:

 “أنَّهُ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ وَهي حَائِضٌ في عَهْدِ رَسولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ، فَسَأَلَ عُمَرُ بنُ الخَطَّابِ رَسولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ عن ذلكَ، فَقالَ له رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ: مُرْهُ فَلْيُرَاجِعْهَا، ثُمَّ لِيَتْرُكْهَا حتَّى تَطْهُرَ، ثُمَّ تَحِيضَ، ثُمَّ تَطْهُرَ، ثُمَّ إنْ شَاءَ أَمْسَكَ بَعْدُ، وإنْ شَاءَ طَلَّقَ قَبْلَ أَنْ يَمَسَّ، فَتِلْكَ العِدَّةُ الَّتي أَمَرَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَنْ يُطَلَّقَ لَهَا النِّسَاءُ.

الراوي: عبد الله بن عمر | المحدث: مسلم | المصدر: صحيح مسلم – الصفحة أو الرقم: 1471 | خلاصة حكم المحدث: [صحيح].

تلك الأدلة إنما تدل على مشروعية الرجعة، إذ إنها صدرت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكذا عن أصحابه، فكان ذلك دليلًا على مشروعيتها.

الشريعة الإسلامية زاخرة بالكثير من الأحكام والأمور التي ينبغي على العبد المسلم أن يكون على دراية بها، لاسيما ما يتعلق بفقه الأسرة علاوة على فقه العبادات والمعاملات وغيرها.

قد يعجبك أيضًا
التعليقات

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.